مهما
بلغنا من العمر وقرأنا الروايات والقصص القصيرة والصحف والمجلات وشاهدنا التلفاز وما
يمتلكه من قوة الانبهار بعالم المرئي تبقى تلك الحكايات الخرافية والاساطير التي كنا
نسمعها من الجدة راسخة في أذهاننا حيث نجتمع حولها كالفراشات لنستمع لها بشغف
وحدقات عيوننا. وانظارنا تحيط بها وتحصى كل حركة من حركاتها. وهي تروي لنا عن الغول(السعلوة)
وحكايات ابى زيد الهلالي وحكايات الذئب وكيف كانت تختم قصتها بالعلامة المسجلة لها
(لو بيتنا قريب نأتي لكم الحمص والزبيب) مصحوبة بابتسامتها المعهودة. وبعدها نخلد للنوم.
وكنا نحلم بتلك القصص او بذلك الفارس المغوار وهو يقتل الغول....
لم تكن
قصص عادية تمر بنا إنما كانت تهذب خيالنا الطفولي وتمنحنا سلوكيات الأبطال أما الآن
من يحكي للأطفال هذه القصص هل أصبحت ألعاب الفيديو بديلا عن قصص الجدة؟
وماهوا
الأثر النفسي الذي تتركه تلك الألعاب بعقول أطفالنا حيث فقدنا التواصل البشري والغينا
تلك المتعة والفائدة بتكوين الصورة الذهنية للطفل ولا أريد هنا أن أتكلم عن التأثير
الطبي والتشنجات التي تصيب الطفل بهذه الألعاب حيث أصبحت سلوكيات اطفالنا تتغير نحو
العنف والهيجان الانفعالي وانخفاض المعدلات اللفظية لهم. وكل هذا بسبب تلك الالعاب
الكترونية التي لا تخلوا من العنف الدموي والمشاهدات التي تحفز العقل على الاثارة
والعنف وتركيز الانتقام حيث تظهر عليهم أعراض الانسحاب والعزلة والتباطؤ الذهني ويموت
بشكل او باخر الادراك الذهني لديهم والذنب لا يكمن في تلك الممارسات انما للعائلة
ذنب أكبر، ففي بعض الأحيان يمكن أن يكون الطفل نفسه عاجزا عن التعبير عن مشاعره.
فيتم بذلك عبر سلوكيات غريبة الهدف منها التعبير المعاكس.
حيث
لوحظ ان مخيلة الاطفال بدأت تنمو ببط شديد على تكوين رؤيا خاصة بهم وهذا الشيء وواضحا
للجميع حيث لا تخلوا حقيبة طفل من الايباد أو الهاتف الخلوي الذي لا يفارقه على طوال
اليوم ...وهنا يعطينا سبب آخر وهو خلو الأسر من محاكاة الطفل وعدم وجود الحوارات المفتوحة
والقصص الشعبية. ومع الاسف أصبحت الحارات والازقة تخلو من الالعاب الشعبية التراثية
...لو كان هناك ترابط أسرى بالموروث الشعبي لأصبح أطفالنا مولعون بها كما كنا سابقا
ومازالت ذاكرتنا تحتفظ بتلك القوانين للألعاب لو كنا اخرجنا هذه الألعاب الى أطفالنا
لما أصبح أطفالنا عرضة لهذه الافلام التي تزرع العنف بهم منذ الصغر.
ومع
كثرة عدد المتشددين والمتطرفين الذي خرج نتيجة هذا العنف والسلوكي والنمطي وكان أحد
أسباب هي تلك الصور الذهنية للعنف منذ الصغر حيث لعبت دورا أساسيا بتكوين هذه المشاهدات
الدموية وبدأ العقل الباطن بإفرازها كسلوك متطرف! فلابد من فك هذا اللغز ...لترجع
تلك العقول المغيبة الى رشدها وإيقاف تزايد العنف الصوري.
وتندرج هذه الظاهرة في علم النفس تحت مصطلح الحنان
والألفة بين أفراد الأسرة. وبحسب شبكة "سي ان ان" الامريكية،
ونقلاً عن دراسة نشرتها دورية "الأكاديمية الوطنية للعلوم" في الولايات المتحدة،
فإن الأطفال والاحداث الذين يحظون بحنان أسرى يسجلون نمواً واضحاً في مناطق الدماغ
المسؤولة عن التعليم والذاكرة والتعامل مع ضغوطات الحياة. وقد
بينت أخصائية علم نفس الأطفال التي عملت على الدراسة، جوان لوبي، أهمية الاكتشاف، قائلة:
"لقد أهملت الأبحاث السابقة النظر في مدى أهمية الشعور بالعطف والحنان بالسنوات
الأولى من عمر الأطفال"، مضيفة أن الضرر الذي يصيب دماغ الطفل بسبب قلة الحنان
والعطف يصعب تعويضه في السنوات اللاحقة حتى مع تبديل سلوك الأهل. وقالت
الدراسة إنها أثبتت من خلال هذا الاختبار "الرابط المباشر بين التطور السليم لمناطق
أساسية في الدماغ تؤثر على حياة الإنسان وبين العلاقات العاطفية التي يعيشها".
ليس عيبا أن نجلس مع أولادنا لتحكي لهم قصصا جميله
تمتعهم بها ولتمنحهم بذات الوقت أشياء كثيرة من الحب والحنان والألفة. ...وبالنهاية
وكما تقول جدتي لو بيتنا قريب تأتي لكم بالحمص والزبيب. ..
عدنان
الدوسري
باحث وكاتب عراقي
مغترب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق