
أن قدرات الذكاء التي تكتسب نتيجة الحياة والحياة الاجتماعية فهي قوة برامج التفكير المكتسبة التي تم تعلمها نتيجة الحياة , وكمية المعلومات أو المعارف الدقيقة المكتسبة , وهذا يكون عادة تابع لظروف الحياة , وبشكل خاص تأثيرات المجتمع بالنسبة لنا نحن البشر , فهذه التأثيرات هي أساس تميز تفكيرنا عن باقي الكائنات الحية .أما حساب نسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم في تحديد قدرات الذكاء التي تستعمل غالباً , فهي غير دقيقة . إن وزن الدماغ الإنسان بشكل عام يتراوح بين 1300 غ و2000 غ ، ووسطياً وزن دماغ الأنثى أقل بحوالي 200 غ , فهو بذلك يكون (50/1) من حجم جسم الإنسان . ويقدر وزن دماغ الفيل بين 4000 – 4500 غ , لذا يكون (500/1) من حجم الفيل . ويرى البعض أن الرجل ليس أذكى من المرأة لأن وزن دماغه أكبر . و ليس الفيل أو الحوت أذكى من الإنسان ؛ إذا اعتمد في تحديد الذكاء نسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم ككل . ولكن إذا ما قورن دماغ الإنسان بدماغ طائر السنونو فإن وزن دماغ الإنسان يشكل نسبة 2.5 % من وزن الجسم كله . أما وزن دماغ طائر السنونو فيشكل نسبة 4.2 % من وزن الجسم كله ) أي نسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم غير دقيقة.والملاحظ أن الدماغ يتطور باستمرار نتيجة التعلم ، فالزوائد الشجرية تتفرع كلما اكتسبنا معلومات جديدة ، و زيادة تفرعها يزيد من الذكاء , و بالتالي قدرة أقوى على تذكر المعلومات ، فكلما زاد تشابك الخلايا العصبية في المخ زادت نسبة تواصلها وتبادلها للمعلومات والعمليات المنطقية , وهذا يجعل لوزن الدماغ وعدد خلاياه ومشابكه تأثير أساسي على كمية الذكاء .إن البحث في تطور العقل البشري يبدأ عادة بالسؤال السهل والصعب في آن معاً وهو :ما الذي تغير في الدماغ وسمح بالتغير في طريقة تفكيرنا وجعلنا بهذا الذكاء ؟لقد رأى عالم النفس الكندي ((ميرلين دونالد)) أن ذلك مرتبط بطريقة تمثيل عقلنا للواقع , ووجود علاقات اجتماعية متطورة ومعقدة سمحت بتعليم ما يتم اكتسابه من معارف للأبناء وباقي أفراد الجماعة . وهو يرى أن تطور العقل له علاقة جوهرية بالطرق التي يمثل بها تجاربه و كل ما يصادفه من أشياء وحوادث . فهذا يسمح للعقل إدارة أفضل للمعلومات المخزنة فيه عن التجارب التي يعيشها . ونتيجة ذلك استطاع عقلنا تشكيل المفاهيم التي تدل على الأشياء والحوادث , وعن طريق تداول هذه المفاهيم بين الجماعة صار بالإمكان تحقيق تواصل أكثر فاعلية ووضوح , وهذا سهل نقل الخبرات المكتسبة إلى الآخرين . وكذلك سمح باسترجاع الذكريات المخزنة بسهولة ودقة أكثر , ونقلها للآخرين . وقد حدثت قفزة كبيرة نتيجة الانتقال من التخاطب الإيمائي بالإشارة إلى التخاطب الصوتي اللغوي المتطور . فقد كان نقل التجارب والمعلومات للآخرين وتعليمهم معقد وصعب باستعمال الإيماءات والإشارات , فباستخدام التمثيل المتطور نتيجة اللغة المجدية أصبح انتشار الثقافة أسهل وأسرع .إن النموذج الذي قدمه ((دونالد)) بارتكازه على علم الآثار وعلم النفس الحديثين يمكن أن يلخص لنا قفزات عديدة حصلت في كيفية إدارة المعلومات المخزنة في الدماغ , حيث كانت كل قفزة تعطي مستوى جديدة من المعرفة وحالة جديدة من الإدراك والوعي .
ويرى ((دونالد))أن أول قفزة معرفية حدثت منذ ما يقارب مليوني سنة مع أول ظهور للبشر البدائيين من فئة الإنسان العاقل حيث تشير أدواتهم الحجرية المتناسقة إلى وجود عقل جديد يمتلك القدرة على التمثيل " الإرادي " , وكان يقوم بتمثيل وتعليم ذريته ورفاقه طريقة صنع تلك الأدوات . فبذلك أصبح بمقدور العقل القدرة على انتقاء تجربة من الماضي وإعادة تقديمها للآخرين . فقد كان يتطلب إيصال الذكريات المسترجعة بشكل " إرادي " القدرة على التمثيل ,الذي يمكّن من إيصال المعلومات التي تسمح بتعلم ونسخ ما تم صنعه سابقاً . وكان ذلك في أول الأمر يعتمد على التواصل عن طريق الإيماءات والأصوات التي ترمز نقل التنبيهات والتوجيهات و من ثم الأفكار للآخرين . فكان يرسل الشخص المعلومات بواسطة الإيماءات الجسدية والأصوات التي سبقت ظهور اللغة , ثم دمجت مع بعضها لتمثيل سلسلة من الأحداث المترابطة , ومن ثم مثلت على شكل مسرحيات بسيطة تعتمد الإيقاع والرقص .أن تطور وارتقاء إدارة الدماغ للمعلومات المخزنة فيه والتجارب التي يعيشها , كانت منذ حولي مليوني سنة , فقد بدأ باستخدام الأدوات البسطة . لقد كان الإنسان حينها يملك قدرات جسمية متواضعة نسبياً , مع وجود بيئة وأوضاع وحوادث متنوعة كثيرة ومعقدة و خيارات كثيرة ووجود الكثير من التهديدات والأعداء . فكان بحاجة الماسة للتكيف مع الظروف والبقاء , وهذا أدى لتطور القدرات بشكل سريع , لأنه دفع الدماغ لبناء أو تشكيل برامج فكرية متطورة ومعقدة تسمح بالتعامل مع تلك الأوضاع , وبالتالي دفع الدماغ وبالذات اللحاء للتطور والنمو السريع خلال زمن قصير نسبياً . كل هذا أدى إلى توصل الدماغ لقدرات تمثيل وترميز الواقع بأفكار مناسبة . وهذا كان أهم عوامل حدوث القفزة التي ميزتنا عن باقي الكائنات الحية , وهي القدرة على التخاطب الفعال بواسطة الإيماءات والإشارات , والأهم تمثيل الواقع بلغة محكية ثم مكتوبة متطورة .
هدنان الدوسري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق